أدى نقص الأيدي العاملة في كثير من الاقتصادات الكبرى إلى فتح الباب أمام العمال المهاجرين لحل تلك الأزمة، والاستفادة من توظيفهم بأجور زهيدة.
وأصبحت قضية الهجرة خلال الأعوام الأخيرة واحدة من القضايا المهمة المطروحة على جدول أعمال عديد من الدول، بخاصة الدول المتقدمة.
وما بين الرفض الكامل لاستقبال المهاجرين، خاصة غير الشرعيين، باعتبارهم عبئا على المجتمع، والترحيب الكامل بهم لاعتبارات إنسانية أو للاستفادة منهم كقوة عمل شابة، يبقى السؤال المطروح هو: كيف يمكن للحكومات في الدول التي تستقبل المهاجرين الاستفادة منهم؟
وكان رفض المهاجرين الدافع الرئيس وراء حصول قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست” على تأييد الأغلبية في الاستفتاء الشعبي، الذي أجرته البلاد في 2016.
وشكل عداء المهاجرين أزمة كبيرة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال ولايتها الرابعة والأخيرة.
هذا، فيما يعد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نظام الهجرة الأمريكي “محطم”، ورغم اتفاق بعض معارضي ترمب معه نسبيا في ذلك، إلا أنه لا يوجد توافق على سبل إصلاح هذا النظام.
وتتضمن الأفكار المطروحة في أمريكا لإصلاح نظام الهجرة الاستفادة من تجربة استخدام نظام “النقاط” لتقييم المهاجرين المدفوعين بأسباب اقتصادية والذين يشكلون في كندا على سبيل المثال نحو 60 في المائة من إجمالي المهاجرين الذين يصلون إلى البلاد.
وهذا النظام هو الذي جعل 27 في المائة من سكان كندا يعدون المهاجرين عبئا على اقتصاد بلادهم، وهي النسبة الأقل بين شعوب 18 دولة متقدمة شملها استطلاع رأي أجراه مركز “بيو” لاستطلاعات الرأي العام ونشر نتائجه في آذار (مارس) الماضي.
وفي اليابان، حيث يمثل الأجانب أقل من 2 في المائة من جملة السكان، لا وجود، تقريبا، للأفكار المؤيدة للمهاجرين، وقد بدأت الحكومة تحركا حذرا لاستقطاب مزيد من الأجانب للعمل والإقامة في البلاد بسبب تراجع نسبة الشباب بين سكان اليابان.
وقررت الحكومة أخيرا منح الأجانب تصاريح إقامة تستمر خمسة أعوام بهدف سد النقص في الأيدي العاملة في بعض القطاعات الحيوية.
وفي المقابل، فإن سياسات دول أمريكا اللاتينية للتعامل مع المهاجرين المقبلين إليها من فنزويلا، كانت مرتجلة ومتسرعة وتهدد بتنامي طبقة العمالة غير الرسمية ذات الأجور الزهيدة.
واستعرضت وكالة “بلومبيرج” للأنباء تجارب ثلاث دول مختلفة مع ملف المهاجرين، وهي اليابان وكندا وكولومبيا.
وبحسب تقديرات منظمة العمل الدولية، فإن عدد العمالة المهاجرة في العالم يصل إلى نحو 164 مليون عامل، يلعبون دورا اقتصاديا واجتماعيا مهما، سواء في دولهم أو في الدول التي يقيمون بها.
فالعمال المكسيكيون يكدحون في مصانع تجهيز الدواجن في الولايات المتحدة، والهنود يعملون في مشاريع التشييد في دبي، والفلبينيات يعملن في مجال تربية الأطفال في كثير من دول العالم.
والحقيقة أن العمال المهاجرين يعملون في أغلب الأحوال في مهن شاقة وأحيانا تتسم بالخطورة، وقاموا بتحويل نحو 480 مليار دولار إلى أسرهم في أوطانهم الأصلية في عام 2017، وهو ما يرونه أمرا يجعل الأمر يستحق المخاطرة.
وتقول سيندي هاهاموفيتش، المؤرخة التي ألفت كتاب “الأرض المحرمة” الصادر في عام 2011 عن برامج العمالة المهاجرة في العالم، إن “الفقر في الدول المصدرة للهجرة هو ما يجعل الأمور تمضي على هذا النحو”. ودفعت التحولات الديموجرافية اليابان، صاحبة التاريخ الطويل في رفض المهاجرين، إلى إعادة النظر في سياساتها من أجل السماح بحضور مئات الآلاف من العمال الأجانب غير المدربين لسد النقص في الأيدي العاملة في قطاعات مثل التشييد والزراعة.
وتأكد اليابانيون أنهم لن يستطيعوا سد النقص في الأيدي العاملة من خلال تشجيع توظيف النساء وتأخير سن التقاعد واستخدام الإنسان الآلي.
وتتوقع اليابان انكماش عدد السكان في سن العمل 23 في المائة خلال 25 عاما، في حين يصل عدد الوظائف الخالية في البلاد إلى ثلاث وظائف لكل باحث عن وظيفة.
ومن اليابان، حيث توظيف العمالة المهاجرة من أجل خدمة الاقتصاد والمجتمع، إلى كولومبيا، التي استقبلت مئات الآلاف من المهاجرين القادمين من فنزويلا، دون سياسات واضحة تحقق الاستفادة منهم، وهو ما أدى إلى ظهور مشكلات اقتصادية واجتماعية حادة في كولومبيا بسبب هؤلاء المهاجرين.
الإقتصادية