لم تهدأ بعد عاصفة الرهن العقاري الأمريكي التي بدأت في 2007، بالنسبة للمصارف، فخلال عشر سنوات على انتهاء الأزمة بلغت العقوبات المفروضة على المصارف مستوى غير مسبوق تجاوز 372 مليار دولار، لكن الستار لم يسدل بعد، والحبل على الجرار.
وحسب آخر تقرير لمجموعة بوسطن للاستشارات (بوسطن كونستلنك جروب)، في 26 آذار (مارس) 2019، استقرت المصارف الأمريكية على دفع 61 في المائة من هذا المبلغ الهائل، أو أكثر من 226 مليار دولار، في حين دفعت المصارف الأوروبية 39 في المائة، بمبالغ فاقت 145 مليار دولار.
ووفقا للأرقام الصادرة عن مجموعة بوسطن، سددت المؤسسات المصرفية 372 مليار دولار لتسوية منازعات منذ 2009، وكانت حصة المصارف الأوروبية 37 في المائة من هذه العقوبات، ولا تزال السلطات الأمريكية حتى الآن الأكثر نشاطا في إنزال الغرامات وقبضتها أثقل من نظيرتها الأوروبية.
سنوات بعد سنوات، وما زالت المصارف تدفع ثمنا باهظا لانحرافها عن الطريق القويم، إذ بلغت قيمة الغرامات التي دفعتها المؤسسات المصرفية في العالم في 2018 وحده 27 مليار دولار، مقارنة بـ 22 مليار دولار في السنة السابقة، لكن إجمالي الفاتورة منذ 2009 يصعد إلى 372 مليار دولار.
ويكمن هذا الفرق المالي في أصل منشأ الغرامات، فأغلبية العقوبات تم فرضها من قبل المنظمين الماليين في الولايات المتحدة، بمعنى آخر، أن الحكومة الأمريكية تلقت 57 في المائة من مجموع قيمة الغرامات، أو ما يعادل 212.4 مليار دولار من أصل المبلغ وهو 372 مليار دولار، مقارنة بنسبة 6 في المائة فقط من الغرامات التي أصدرها المنظمون الماليون الأوروبيون، أي أن الأوروبيين تلقوا من مجموع قيمة الغرامات 22.3 مليار دولار.
وذهبت 37 في المائة من قيمة الغرامات المستلمة، أو ما يعادل 137 مليار دولار، إلى زبائن للمصارف، أغلبها تتكون من هيئات ومؤسسات وصناديق الضمانات الاجتماعية في الولايات المتحدة، وفي بعض الحالات أفراد عاديون.
بيد أن الدراسة تشدد على أن المنظمين الأوروبيين كانوا “أكثر نشاطا بكثير” في الأشهر الاثني عشر الماضية، وأدت أعمالهم، بين جملة أمور، إلى استقالة كبار المسؤولين التنفيذيين، بمن فيهم أحيانا المديرون العامون.
وتتوقع الدراسة أن يستمر هذا الاتجاه في أعقاب فضيحة غسيل أموال اشتهرت باسم “تبييض بحر البلطيق”، وأدت هذه الفضيحة إلى تعثر المصرف الدنماركي “دانيسكي بانك” في قضية يبلغ وزنها 200 مليار يورو عن طريق فرعه الإستوني. وذكر أيضا في هذا الملف العملاق الألماني “دويتشه بانك” إضافة إلى المؤسستين الاسكندنافيتين “سويد بانك”، ومصرف “نورديا”.
وتكشف أرقام الدراسة أن الأعوام بين 2012 و2014، سجلت أكبر حجم من الغرامات التي دفعتها المصارف، غير أن ذروة حصاد الغرامات كانت لعام 2014.
وفي 2009، العام التالي لأزمة الرهن العقاري الأمريكي، دفعت المصارف 22 مليار دولار كغرامات، ثم ثمانية مليارات في 2010، و23 مليارا في 2011، ليصعد مبلغ الغرامات إلى أكثر من الضعف في 2012 بتسجيله 52 مليار دولار.
وواصلت الغرامات ارتفاعها لتصل إلى 73 مليار دولار في 2013 قبل أن يسجل الرقم القياسي 78 مليار دولار في 2014، ثم يبدأ بالهبوط إلى 25 مليار دولار في 2015، و42 مليارا في 2016، و22 مليارا في 2017، ثم 27 مليار دولار في كانون الأول (ديسمبر) 2018.
وبعد عشر سنوات من الأزمة المالية العالمية، التي بدأت مع انهيار سوق الرهن العقاري، وتحديدا الرهون العقارية المحفوفة بالمخاطر، وأكبر المؤسسات المالية لا تزال تدفع الفاتورة.
وفي نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2016، أبرم “دويتشه بانك” اتفاقا مع السلطات الأمريكية، قلل بموجبه من الغرامة التي فرضتها وزارة العدل الأمريكية على بيع المصرف “ائتمانات عقارية مسمومة” (المصطلح الذي اشتهر دوليا في توصيف الائتمانات المحفوفة بالمخاطر) بين 2006 و2008.
وكانت وزارة العدل طالبت في البداية بنحو 14 مليار دولار، الأمر الذي تسبب في حالة من الذعر في بورصة المصرف الألماني في نهاية أيلول (سبتمبر) 2017.
ودفع المصرف السويسري الثاني “كريدي سويس” في الوقت نفسه فاتورة بقيمة 5.3 مليار دولار، وإثباتا لفعالية القمع، أطلق “كريدي سويس” حملة إعلانية واسعة تركز على “التسامح صفر” مع التهرب الضريبي.
وفي ظل الضغط الشديد، سعى عديد من المصارف السويسرية إلى تسوية الملفات الضريبية واحدا تلو الآخر، لا سيما من خلال إبرام برنامج لتسوية الأوضاع بين برن وواشنطن.
وتقرأ “الاقتصادية” في الدراسة أن عام 2018 قد تميز بالتقاضي الشهير للمصرف الفرنسي “سوسيته جنرال” بتهمة (التلاعب في الأسعار بين المصارف، والصناديق السيادية الليبية).
وفي المجموع دفع المصرف، من مقره في الحي المالي الفرنسي “لا ديفونس” 1.3 مليار دولار لإغلاق هذين الملفين.
وفي 2018 أيضا أجرى “رويال بانك أوف سكوتلندا” تسوية مع وزارة العدل الأمريكية دفع بموجبها 4.9 مليار دولار في إطار أزمة الرهن العقاري.
ونتذكر على وجه الخصوص المبالغ الهائلة التي دفعها “بانك أوف أميركا ميريل لينش” (45 مليار دولار)، و8.9 مليار دولار دفعها مصرف “باريبا” الفرنسي، ثم “سيتي جروب”، “جي بي مورجان”، و”ويلز فاركو”.
المصدر : الإقتصادية