ينعقد هذه الايام منتدى تعزيز الاستقرار المالي والتحول لأنظمة الدفع الإلكتروني في الخرطوم بتنظيم من قبل #اتحاد_المصارف_العربية و #اتحاد_المصارف_السوداني في الفترة من 19 الى 20 فبراير 2019.
الاستقرار المالى يعني مدى قدرة النظام المالى على مواجهة الصدمات غير المتوقعة ، لذا فأي نظام مالي مكون من مؤسسات وأسواق وبنية أساسية يعتبر مستقراً اذا استمر فى ضمان توزيع موارده المالية بفاعلية وتحقيق أهدافه الاقتصادية الكلية حتى فى أوقات الضغوط أو الأزمات، ونظراً للتكلفة الاقتصادية والاجتماعية الضخمة التى يتم تكبدها جراء الأزمات المالية، فإن تحقيق الاستقرار المالي يظل فى مقدمة أهداف البنوك المركزية والجهات الرقابية .
من هنا تنبع أهمية التركيز على دور البنوك المركزية في تطوير نظم الدفع الالكتروني ووضع الضوابط الرقابية للحد من مخاطرها وبالتحديد دور أنظمة الدفع الالكتروني في الحد من أزمات السيولة وتعزيز الاستقرار المالي. لا يخفى على احد هذه الايام مشكلة شح الكاش وعد قدرة البنوك على توفير الكاش اللازم لعملائها سواء عبر فروعها أو الصرافات الالية. من الاسباب الرئيسية لهذه المشكلة هو اننا مجتمع يعتمد ويثق في الكاش وبالرغم من بدأ التقنية المصرفية منذ عام 2000 في السودان ووضعت لبنات الدفع الالكتروني منذ ذلك الوقت لكن لازلنا نعتمد بشكل شبه كامل على التعامل بالكاش.
الوضع الحالي بالارقام
القطاع المصرفي السوداني به 37 بنك ومن اصل حوالي 20 مليون مواطن مؤهلين لفتح حسابات مصرفية فانه وحسب الاحصائيات فقط 6% (حوالي واحد مليون وستمائة الف) وهذا الرقم يجب التعامل معه بحذر لكون متوسط عدد الحسابات المصرفية للمواطن الواحد هو 3 الى 4 حسابات. بالنسبة للمؤسسات والشركات فان العدد المسجل بالمسجل التجاري في حدود 89 الف (المسجل التجاري)
بالنسبة لوسائل الدفع الالكتروني وتحديدا البطاقات المصرفية وحسابات الدفع عبر الموبايل حاليا عدد البطاقات المصرفية يفوق ال 4 مليون بطاقة (2018)، وعدد حسابات الدفع عبر الموبايل اكثر من 5 مليون ونصف حساب (2018) في حين ان عدد مشتركي خدمة الموبايل التابعة لشركات الاتصالات حوالي 27 مليون مشترك (2016) وعدد مشتركي الانترنت عبر الموبايل 990 الف مشترك (2016). لم اتطرق الى الشيكات لاني اتحدث عن الدفع الفوري فقط وبالرغم من انه يتم استخدامها كثيرا لكن لا ارى لها مستقبلا.في نفس الوقت حاليا يوجد اكثر من 6 الف نقطة بيع (2018) ودخلت حديثا تقنية الكيو آر كود لكن استخدامها ليس منتشرا بعد وفي اعتقادي انها ستستحوذ على النصيب الاكبر منافسة نقاط البيع لقبول الدفع الالكتروني لبساطتها وقلة التكلفة المتعلقة بها.
التطبيقات المتوفرة حاليا لتمكين المواطن الدفع الالكتروني يوجد عدد منها سواء تطبيقات لاصحاب الهواتف الذكية مثل
Sahil، PayChat، mBok،
ومجموعة أخرى او الهواتف التقليدية مثل
AmanCash وQorooshi وmBok.
بالنسبة لمقدمو الخدمات والسلع فان القطاع الحكومي قام بحوسبة كاملة لخدماته وبه حوالي 25 الف خدمة عبر نظام سداد (اورنيك 15 الالكتروني) يدخل فيها 6000 وحدة حكومية لكن في التنفيذ حاليا في حدود 50 خدمة فقط يمكن الدفع لها الكترونيا بهذه الوسائل المذكورة. شركاء منظومة الدفع الالكتروني في الحكومة الالكترونية هم وزارة المالية الاتحادية وجهاز تنظيم الاتصالات والبريد وبنك السودان المركزي والمركز القومي للمعلومات. اما القطاع الغير الحكومي اضف القطاع الخاص كشريك وهو يمثل كما هو معروف اكثر من 80% من الحراك الاقتصادي في البلاد.
بالنسبة للقطاع الخاص فقد بدأت تنتشر نقاط البيع في المتاجر باشكالها المختلفة ونوافذ البيع لتجار الجملة والمصانع لكن لا زال نسبة الانتشار ضعيفة بدليل اضطرار المواطنون للوقوف في صفوف لساعات امام الصرافات الالية لان منافذ الخدمات والسلع التي يستخدمونها لا تزال تقبل كاش فقط والا ليس هنالك ما يجبرهم لهذا الارهاق والتعب وضياع الزمن وفي نفس الوقت سحب الكاش وعدم عودتها للبنوك يؤدي الى اضعاف ودائعها وتوجد لها مشكلة سيولة. المواطن يوميا يقوم بالدفع لجملة من الخدمات والسلع، وهي ما تعرف بـ
B2C أو business-to-Consumer
وقد يصل متوسط المعاملات المالية اليومية الى 10 معاملات. القدرة على الدفع الكترونيا تعتمد على ان يملك المواطن بطاقة مصرفية او حساب دفع عبر الموبايل وفي نفس الوقت مقدم الخدمات والسلع يقبل الدفع باي منهما مما يعني ان لديه نقطة بيع او حساب تاجر في نظام الدفع عبر الموبايل وحاليا مقدمو الخدمات والسلع الذين يقبلون الدفع الالكتروني ضعيف جدا مقارنة بالحجم الحالي لعدد البطاقات المصرفية وحسابات الدفع عبر الموبايل مما يوضح ان هنالك ضعف في سياسة قبول الدفع الالكتروني من قبل مقدمي الخدمات والسلع. أما بخصوص الدفع الالكتروني فيما بين المؤسسات والشركات، وهو ما يعرف بـ
B2B أو business-to-business فانه يستخدم الكاش والشيكات فقط.
الشمول المالي وفرصة ودائع ليست بحوزة البنوك
نسبة من يتعاملون مصرفيا ال ٦% متداولة منذ بضع سنين وليس هناك تغيير نوعي يشير إلى زيادة عدد المواطنين الذين يتعاملون ماليا عن طريق البنوك والمقصود هنا بشكل محدد انهم يقومون بعدد من المعاملات المالية بشكل راتب شهريا عن طريق الدفع الإلكتروني وليس فقط فتح حسابات مصرفية. الشمول المالي يستهدف المعاملات المالية ذات قيم صغيرة نسبيا لكنها ذات تكرار عالي حيث يكون الإجمالي حجمه كبير ويمكن يمكن الشرائح الإجتماعية الأكثر فقراً والمستثناة من القطاعات المصرفية التقليدية من المشاركة فى الحصول على الخدمات البنكية التى تلبى احتياجاتهم من خلال توفير وتعبئة التمويلات الضرورية المستندة إلى الإدخار والتحويلات النقدية والتمويل والتمويل الأصغر.
الشمول المالي يركز الإهتمام بشرائح كبيرة فى المجتمع، وخصوصاً الشرائح المهمشة كالفقراء ومحدودى الدخل وخاصة المرأة ودعم أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر والأطفال والشباب كأداة لمحاربة الفقر مما يؤدى لارتفاع مستوى المعيشة وبالتالى خفض معدلات الفقر وتحقيق النمو الاقتصادى للأفراد والدولة، بالإضافة لضمان قيام المؤسسات المالية بتطور منتجاتها والتنافس لتقديم منتجات مالية أرخص وأسهل وتراعى مصلحة المستهلك
مما يعزز حماية المستهلك. المشكلة تكمن في أن تحقيق الشمول المالي يعتمد بشكل أساسي بالتفكير خارج الصندوق وابتكار وسائل وأساليب فعالة وأهمها بناء شبكة وكلاء لتقديم الخدمات المصرفية في كل منطقة. في تقديري هذه المسالة الان مفقودة ولا يتم التعامل معها بالجدية اللازمة والمتابعة اللصيقة وتقييم النتائج ومؤشراتها لأحداث الفرق بدليل أن ولاية الخرطوم وفيها ثلث سكان البلاد لم نتمكن حتى الآن من تحقيق الشمول المالي فيها بالرغم من تركز البنوك وشركات الاتصالات والوزارات المعنية والقطاع الخاص.
لتقريب حجم الأموال المتداولة بالكاش من قبل هذه الشرائح يوميا:
١. يتم استهلاك ٤٥ مليون رغيفة يوما، يعني ٤٥ مليون جنيه بالجديد
٢. هنالك حوالي ١،٦٠٠،٠٠٠ أسرة تشتري متوسط ٤ ارطال لبن يوميا، هذه ٩٦ مليون جنيه بالجديد
٣. هذه الأسر تستهلك سلطة خضروات يومية بمعدل ٣٠ جنيه، هذه ٤٨ مليون جنيه بالجديد
٤. المواصلات اليومية للفرد في حدود ٤٠ جنيه وناس المواصلات في حدود ٥ مليون مواطن، دي ٢٠٠ مليون جنيه بالجديد
افتكر الفكرة أصبحت واضحة لحجم تبادل الأموال اليومي وهذا كله خارج البنوك وسيولة مفقودة يمكن أن تستخدمها البنوك لتغيير واقع الاقتصاد والمجتمع بشكل جذري أن هم حصلوا على هذه الودائع.
بناء شبكات الوكلاء المناسبة للشمول المالي برعت فيها شركات الاتصالات ونجحت بشكل واضح لذلك قامت شراكات بين البنوك وشركات الاتصالات للجمع بين المعرفة والخبرة المصرفية وبناء وتشغيل شبكات الوكلاء ومثال على ذلك كاش امان بين بنك النيل وشركة MTN
وقروشي بين بنك فيصل الإسلامي وسوداني. لكن بالرغم من تدشين خدمة الدفع عبر الموبايل منذ ٢٠١٦ وقيام مثل هذه الشراكات فإن الأثر والنتائج لا زالت ضعيفة وفي تقديري في حال كانت نجحت فإن مشكلة شح الكاش الموجودة الان كانت اسعفت بشكل كبير في تخفيفها ولن يشعر الناس بها بهذا القدر وهذه من مخاطر عدم إكمال مشاريع استراتيجية مثل الدفع عبر الموبايل وتاخرها حيث تتغير فرضيات تنفيذ وتشغيل مثل هذه المشاريع مثل التغيرات السياسية والاقتصادية والتقنية والاجتماعية وغيرها. أصحاب المصلحة في الشمول المالي ومنظومة الدفع الإلكتروني يحتاجون للعمل بشكل يفك هذا الجمود الذي يتضرر منه المواطنون في المقام الأول والاقتصاد بعدم استغلال هذه الأموال في التنمية. هنالك نماذج للتعاون بين أصحاب المصلحة في كينيا، يوغندا ، غانا ونيجيريا أثبتت نجاحها.
الاعمال المالية للقطاع الخاص وتجفيف دورة الكاش
معروف ان النقود هي وسيلة لتبادل الخدمات والسلع وهذه الخدمات والسلع تبدأ من مرحلة توريد المواد والموارد الخام وهنا تتم عملية دفع للمورد. بعد ذلك تتم عملية التصنيع وتصبح الخدمة والسلعة جاهزة للاستهلاك ويتم ترحيلها وتوزيعها للوكلاء ومنافذ البيع وهنا تتم عمليات دفع للمصنع من قبل متعهدي الترحيل والتوزيع والبيع. نلاحظ هنا ان لحظة تبادل خدمات وسلع يصحبها عملية دفع وهنا نحتاج الى ادخال هذه العمليات في منظومة الدفع الالكتروني وهي ال B2B
لانها تخلق حوجة كبيرة للكاش من خلال سلسلة الامداد supply chain ويضطر منفذ البيع للقبول بالكاش فقط حتى يتمكن من الوفاء بالتزاماته المطلوبة منه بالكاش!
بنك السودان المركزي ووسائل دفع للقطاع الخاص
البنك المركزي في طور ابتكار وسائل دفع الكتروني للمؤسسات والشركات وهي ستكون اضافة حقيقية لمنظومة الدفع الالكتروني وتساعد المؤسسات والشركات بقبول الدفعيات الكترونيا عبر كامل سلسلة الامداد من موردي المواد والموارد الخام مرورا بالتصنيع وانتهاءا بمنفذ البيع النهائي. نحن نحتاج الى ان يتم اجازتها بسرعة حتى تبدأ البنوك وعملاؤها من المؤسسات والشركات باستخدامها وتكون بديل لاستخدام الكاش.
البنوك والحفاظ على السيولة
المؤسسات والشركات لها حسابات في البنوك والمصارف والتي بدورها تقوم بتمويل اعمالها وتكون كمستشار مالي في نواحي كثيرة. من ناحية مالية تمثل الفوترة والتحصيل والدفع والتدفقات النقدية من اكثر المؤشرات على مدى كفاءة وفاعلية التشغيل في المؤسسات والشركات وتحدد مدى قابلية شركة ما للنجاح او الفشل. هنا يجب العمل على حوسبة هذه الاعمال وربطها بوسائل الدفع الالكتروني وتكون كلها في منصة او مجموعة منصات
(platform or platforms)
تجمع الموردين والمؤسسات والشركات والعملاء تمكنهم من ارسال فواتيرهم الكترونيا ويتم لهم الدفع عبرها الكترونيا وبهذه الطريقة لا حوجة للتعامل بالكاش وخروج السيولة من البنوك بل بالعكس ستساعد على ارتفاع حجم الودائع بشكل كبير مما يمكن البنوك من الدخول في عمليات التمويل والمساهمة في الحراك الاقتصادي بتطوير المرافق العامة والبنى التحتية والمصانع والزراعة والثروة الحيوانية وما الى ذلك. هذا الامر يتطلب عمليات اسناد خارجي outsource
لاجل تطوير مثل هذه المنصات للشركات التي تعمل في مجال تطوير البرمجيات وتقنية المعلومات وبالتحديد شركات التقنية المالية
(Financial Technology – FinTech)
والتي لديها القدرة على ابتكار الحلول وتطبيقها بسرعة وباستخدام تقنيات متقدمة وباحدث ما توصل اليه عالميا في هذا المجال. هذه الصناعة اصبحت تبلغ حجما كبيرا وحتى تقوم بتصدير البرمجيات والكفاءات الى الخارج واستقطاب اعمال من دول اخرى ليتم تشغيلها محليا كما هو الحال في بلاد مثل الهند وشرق اوروبا وتدر مليارات الدولارات سنويا.
تقنية المعلومات والاتصالات
احتل السودان المركز 139 في دراسة مؤشر تنمية تقنية المعلومات والاتصالات للعام 2016 الذي اصدره الاتحاد الدولي للاتصالات (المركزالقومي للمعلومات) وهذا المؤشر يعتمد على 4 محاور اساسية:
1. مؤشرات البنى التحتية والنفاذ
2. مؤشرات النفاذ والاستخدام للاسرو الافراد
3. مؤشرات الاستخدام في المؤسسات والشركات والاعمال
4. مؤشرات قطاع تقنية المعلومات والاتصالات والتجارة
الدفع الالكتروني يعتمد بشكل كبير على كل هذه المحاور مجتمعة. في العام 2017 هبط تصنيف السودان الى 141 (مؤشر تطور تقنية المعلومات)
تعاون اصحاب المصلحة وجهات الاختصاص
تطوير الدفع الالكتروني ليكون بديلا مقبولا ومقنعا للمتعاملين بالكاش، سواء المواطنين او المؤسسات، يقتضي تعاون واسع مع كل اصحاب المصلحة وشراكة فعلية بالقيام باستثمارات نوعية وايجاد حلول للمشاكل التي تحد وتعوق من انتشاره. ان الزيادة في استثمارات تقنية المعلومات والاتصالات بنسبة 20% يعادلها زيادة 1% في الانتاج المحلي الاجمالي لذلك فان الاستثمار المستمر في هذه الصناعة محرك اساسي للاقتصاد بشكل اساسي.
نقلاً عن الباش مهندس: ياسر ساتي